«ترامى إليهما وقْعُ أقدامٍ ثقيلة. دخل رجلٌ قصير بدين، مصبوبٌ في كتلة قوية كأنه برميل. غليظ الرأس والوجهِ والعنق كأنه مصارعٌ محترف، ومن عينيه الغائرتين تنبعث نظرةٌ جامدة بليدة. وقف في بنطلونه الترابي وقميصه الأسود وحذائه المطاط، ينظر إليهما ببلادةٍ وعدم اكتراث. صرخَت في عينَيهما نظرةٌ ذاهلة غير مُصدقة. تبادَلا نظرة سريعة، ثم عادا للحملقة في وجهه البليد. وسألَته الفتاة: مَن أنت؟»
بأسلوبٍ ساخر مليء بالرمزية ومشاهدَ غرائبيَّة يسخر «نجيب محفوظ» من الكثير من الأوضاع المحلية والعالمية؛ ففي قصة «شهر العسل» المليئة بالفانتازيا يتحدث عن عروسَين يعودان إلى بيتهما بعد انقضاء شهر العسل، ويتفاجآن بأن أغرابًا احتلُّوا شقتهما وسجنوهما بداخلها، واكتشفوا أن «أم عبد الله» المسئولةَ عن البيت قُتلت ووُضعت جثتها في الثلاجة، وتبدأ مقاومة العروسَين حتى يتمكَّنا من طرد الأغراب، وهي قصةٌ غنية بالتأويلات؛ فربما يرمز فيها «محفوظ» لنظام حكم «عبد الناصر»، وربما يرمز للاحتلال الأجنبي، وربما يرمز إلى الصراع بين فريق «السادات» وفريق «علي صبري» عقب وفاة «عبد الناصر». وفي قصة «فنجان شاي» أبدع «محفوظ» ببراعةٍ فائقة؛ فقد سمح لخياله أن يُنشِئ عالمًا غريبًا لكنه محمَّلٌ بالكثير من الإسقاطات المهمة حول الصراع العالمي، وغير ذلك من القصص الغريبة والمدهشة.