يحدث أن نفقد الرغبة في التواصل، والرغبة في الارتماء في المستقبل، بل وحتى الرغبة في المشاركة في الحاضر، فنغدو بلا روابط ولا مشاريع ولا رغبات. ونود أن ننظر إلى العالم من ضفة أخرى: هذه هي الحال التي يطلق عليها هذا الكتاب اسم البياض. وهو حالة غياب الذات عن نفسها، مهما كانت درجتها حدة. إنها انفصال عن الذات، بشكل أو بآخر، نظرا لما يلقاه المرء من صعوبة أو من عقوبة كي يكون هو ذاته، وهي الحال التي يؤخذ فيها المرء بـ “شغف الاختفاء”، شعف الغياب الذي تتنوع أشكاله ودرجاته، والذي يصيب الذكور مثلما يصيب الإناث، والكهول كما المراهقين. إنها الحالة التي يتحرر فيها المرء من الروابط الاجتماعية فيختفي ويتحرر من ذاته… تعلقا بالحياة، وشغفا في البقاء، واسترجاعا للذات.
يتمحور الكتاب حول الفلسفة الفردانيَّة وكيفَ تحوَّلنا إلى مجتمع أفراد لا إلى مجتمع تحكمهُ روح المجموعة. كما يتطرّقُ إلى النَّزعة الفردانيَّة من زاوية أنثروبولوجيَّةٍ. يرى دو بروتون أنَّ ذات الفرد قد دخلت في مرحلة من التلاشي والانهيار ولهذا وجبَ تخليصها بخلقِ أدواتٍ تعبيريَّة مختلفة لها، من شأنها أن تقومَ بتحرير الفرد وخلقِ روحٍ مغايرةٍ في داخلهِ من جديد.