«وبالرغم من عبيره البلدي، ومن أن النُّدُل العاملين به يَسعون في الجلابيب حُفاةَ الأقدام، إلا أنه امتاز بالنظافة المطلَقة في أرضه وجدرانه وأدواته، كما عُرِف بجودة مشروباته. إنه مجمعُ أهلِ الوقار من الآباء والمدرِّسين، وفي مواسم الانتخابات يُهرَع إليه المُرشَّحون من الباشوات يَخطبون ودَّ صاحبه المهيمِن على الناخبين في الحواري والأزِقَّة.»
في لغةٍ محفوظية مُحكَمة، وإمعانٍ شديد في التفاصيل الحية ودقة الوصف، يَبسُط «نجيب محفوظ» في مجموعته القصصية التي تَضمَّنت ثلاثين قصة قصيرة، العديدَ من الأفكار حول اليأس، والاضطراب النفسي، والموت، والحياة، والقدَر، والزمن، مع قدْرٍ كبير من الرمزية، والعبثية أحيانًا؛ فجاءت كلُّ قصةٍ تحمل فكرةً وسؤالًا. فقصة «الفجر الكاذب» تَتحدَّث عن مرض انفصام الشخصية، والهواجس التي تسيطر على المريض حتى تُحيل عقلَه إلى صراعاتٍ لا تهدأ؛ ليُدرك أن أحلامَ اليقظة غير مُجدِية. ولما كانت المقاهي من أهم الأمكنة التي تَجلَّت في أدب «نجيب محفوظ»، فقد أفرَد لها قصةً كاملة في هذه المجموعة، وهي قصة «ذقن الباشا»، تَحدَّث فيها عن مقهًى يحمل الاسم نفسه، وتَناوَل تفاصيلَ المقهى والدورَ الاجتماعي والسياسي الذي يَتميَّز به، وغير ذلك من عوالم «نجيب محفوظ» الثَّرِية.